مجلة المحيط الفلاحي

العاصمة الإسماعيلية مكناس تحتضن العالم مجددًا: دورة جديدة من معرض الفلاحة برهانات الماء والاستدامة…

بين أسوار العاصمة الإسماعيلية، مكناس، المدينة التي تنبض بعبق التاريخ وتزهر بالحاضر الفلاحي الواعد، تنبثق من جديد إشراقة التميز الفلاحي المغربي، حيث سينطلق رسميا اليوم الاثنين 21 من أبريل  حدث سنوي استثنائي أصبح تقليداً دولياً راسخاً ومحطة استراتيجية على خارطة التنمية الزراعية العالمية.

نحن اليوم، على بُعد ساعة واحدة فقط من انطلاق فعاليات الدورة السابعة عشرة للمعرض الدولي للفلاحة بالمغرب ، تلك التظاهرة المتميزة  التي تتجاوز حدود المعرض لتتحول إلى منصة للحوار العالمي، ومختبر مفتوح للابتكار، ومنبر رفيع للسياسات الذكية التي تراهن على الزراعة كقاطرة للتنمية المستدامة والسيادة الغذائية.

في ظل مرحلة مفصلية يشهد فيها العالم اختلالات مناخية متسارعة وإكراهات اقتصادية متزايدة، تبرز الحاجة الملحّة لإعادة رسم ملامح المستقبل بوعي جماعي ورؤية مستدامة.

تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه  الله، تأتي هذه الدورة الجديدة، حاملة شعاراً بليغ الدلالة: “الفلاحة والعالم القروي: الماء في صميم التنمية المستدامة”. إنه شعار ينبثق من رحم الواقع، ويعكس وعياً متقدماً بحجم التحديات المناخية والبيئية التي تطال اليوم كل نظم الإنتاج الفلاحي في العالم، وفي مقدمتها المغرب، البلد الذي اختار منذ سنوات المضي بثبات نحو ترسيخ نموذج فلاحي مقاوم، مبتكر، ومرن في وجه التغيرات المناخية.

من  أبرز ملامح هذه الدورة، التي ستعرف مشاركة قياسية تصل إلى 1500 عارض يمثلون 70 دولة، مع استضافة فرنسا كضيفة شرف، وحضور 45 وفداً رسمياً أجنبياً حسب معطيات أولية ، وانتظار أزيد من مليون زائر. أرقام تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن المعرض بات اليوم معلمة عالمية كبرى، وواجهة مشرقة للخبرة المغربية في التنظيم الفلاحي الراقي.

الدورة الحالية تحافظ على الهيكلة التي أثبتت نجاعتها، من خلال 12 قطباً موضوعاتياً يتوزع بينها الزوار للاطلاع على مستجدات الرقمنة، الصناعات الغذائية، الآلات الفلاحية، البيئة، والمنتجات المحلية، بالإضافة إلى “قطب الجهات” الذي يفتح نافذة واسعة على ثروات المملكة الفلاحية المتنوعة.

وإذا كانت الدورة تحتفي بالماء كقضية مركزية، فإن الابتكار والتكنولوجيا سيكونان حاضرين بقوة من خلال عرض أحدث الحلول في مجال الري الذكي، والطاقة الشمسية، ومعالجة المياه، وطائرات الدرون المزودة بحساسات حرارية لتشخيص الإجهاد المائي، مما يترجم إرادة جماعية في جعل التقنيات الحديثة حليفة للفلاح الصغير والكبير في معركة التكيف.

الاهتمام اليوم لم يقتصر على المضامين التقنية، بل شمل أيضاً تحسين جودة الفضاء الاستقبالي، عبر تحديث البنية التحتية، توسيع مواقف السيارات، إعداد مسارات سياحية داخلية، وإحداث فضاءات عائلية ومطاعم تقدم أطباقاً مغربية تقليدية من منتجات محلية، في تكامل ذكي بين الفلاحة والثقافة والذوق.

وفي سياق التحول الرقمي، تم إطلاق منصة إلكترونية لشراء التذاكر وتقليص الأثر البيئي المرتبط بالورق، إلى جانب اعتماد لوحات إرشادية متعددة اللغات لتيسير حركة الزوار، مما يعكس فهماً عميقاً لمفهوم “المعرض الذكي”.

إن الرسالة التي تحملها هذه الدورة واضحة وقوية: المغرب ماضٍ في تعزيز ريادته في الفلاحة المستدامة، مستنداً إلى رؤية ملكية حكيمة، وإرادة سياسية واضحة، وعقول وطنية منفتحة على التجارب الدولية، مؤمنة بأن الفلاحة لم تعد مجرد قطاع اقتصادي، بل هي رافعة للكرامة، والسيادة الغدائية، والاستقرار.

وها هي العاصمة الاسماعيلية مدينة عبق التاريخ مكناس ، كما عهدناها، تحضن العالم مرة أخرى، لا لتعرض فقط منجزاتها، بل لتقترح حلولاً، وتبني جسوراً، وتحتضن نقاشات تؤسس لغد زراعي أكثر عدلاً واستدامة.

#عادل العربي 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.