مجلة المحيط الفلاحي

زراعة الأنسجة النباتية… ثورة بيولوجية في خدمة فلاحة المستقبل

في زمن أصبحت فيه التحديات الزراعية أكثر تعقيداً بفعل التغيرات المناخية، وتراجع الموارد الطبيعية، وتنامي الحاجة إلى أمن غذائي مستدام، برزت تقنية زراعة الأنسجة كنقطة تحول نوعية في مسار البحث العلمي الزراعي، ورافعة واعدة لتحقيق إنتاج نباتي مكثف، سليم ومطابق وراثياً للأصل. إنها ثورة بيولوجية هادئة لكنها فعالة، تقودها المختبرات وتحتضنها المراكز البحثية، ويراكم منجزاتها خبراء يسابقون الزمن من أجل فلاحة عصرية، متقدمة، ومقاوِمة.

إن زراعة الأنسجة، التي تقوم على استنبات خلايا أو أجزاء نباتية دقيقة داخل بيئة معقمة ومحفزة للنمو، تتيح إمكانية إنتاج آلاف النسخ المطابقة للنبتة الأم في وقت وجيز، مع ضمان خلوّها من الأمراض والآفات، وتفادي التباينات الوراثية التي قد تشوب طرق الإكثار التقليدية. وهي تقنية لا تُعد ترفاً علمياً، بل ضرورة عملية لإكثار الأصناف عالية الجودة، وعلى رأسها نخيل التمر، الذي يشكل ثروة استراتيجية للمغرب والمنطقة العربية ككل.

وقد أظهرت التجارب الميدانية أن الفسائل المستخرجة عبر زراعة الأنسجة تُظهر تجانساً عالياً في الصفات، ونمواً أسرع، ومقاومة أكبر للأمراض، مما يجعلها خياراً استراتيجياً لتجديد الواحات، وإحياء الأصناف النادرة، وتوسيع المساحات المغروسة بالنخيل المثمر. لكن هذه التقنية، رغم وعودها الكبيرة، تظل حساسة ودقيقة، تتطلب احتراماً صارماً للمراحل العلمية والتقنية، من اختيار النسيج النباتي المناسب، إلى التعقيم، فالتكاثر، فالتكييف، فالنقل إلى الحقل.

ولذلك، فإن نجاح مشاريع زراعة الأنسجة مرهون بمدى توفر البنية التحتية البيوتكنولوجية، وكفاءة الأطر العلمية وهو ما تتوفر عليه بلادنا ولله الحمد ، واستدامة التمويل، ومواكبة الفلاحين في مراحل الغرس والمتابعة. وهنا، تبرز الحاجة إلى تضافر الجهود بين الدولة والقطاع الخاص ومراكز البحث، لضمان انتقال هذا الإنجاز من رفوف المختبر إلى تربة الحقل، في إطار رؤية استراتيجية مندمجة، تجعل من التكنولوجيات الحيوية أداة سيادية للنهوض بالقطاع الزراعي.

إن مستقبل الفلاحة المغربية، ولا سيما في مناطق الواحات، يتوقف إلى حد بعيد على قدرتنا على إدماج تقنيات مثل زراعة الأنسجة ضمن برامج الإكثار والإنتاج، بما يضمن وفرة الأصناف، ورفع المردودية، وتحقيق التوازن بين الكم والجودة. فالتقنية وحدها لا تكفي، ما لم تصحبها إرادة واضحة، ورؤية علمية، واستثمار وطني في الذكاء النباتي الذي يصنع الفرق.

#العربي عادل

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.