مجلة المحيط الفلاحي

في طانطان… السيد البواري يربط خيمة التراث بأوتاد التنمية المستدامة في الصحراء المغربية

من قلب طانطان بالصحراء المغربية، حيث تتعانق الرمال مع عبق التاريخ، وتنبض الأرض بذكريات الرحل وأساطير القوافل، يشهد المغرب اليوم لحظة استثنائية من لحظات الاعتزاز بالهوية والتمسك بجذور الأصالة، من خلال تنظيم الدورة الثامنة عشرة لـ “موسم طانطان”، الذي تحول من مجرد تظاهرة ثقافية محلية إلى منصة عالمية للاحتفاء بثقافة الرحل وتعزيز الحوار الحضاري بين الشعوب.

 جاءت مداخلة السيد أحمد البواري، وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، خلال الافتتاح  الرسمي للدورة الثامنة عشرة لموسم طانطان، لتعكس عمق الرؤية التنموية التي تنتهجها المملكة  المغربية بقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، والتي تجعل من الثقافة رافعة أساسية للتنمية، ومن الفلاحة قاطرة لتحسين سبل العيش، وتعزيز السيادة الغذائية، وخلق فرص اقتصادية في مختلف جهات المملكة، وفي مقدمتها أقاليمنا الجنوبية العزيزة.

لقد اختار السيد الوزير أن يوجّه من منصة موسم طانطان رسالة واضحة المعالم، ذات أبعاد متعددة، تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن وزارة الفلاحة ليست فقط شريكاً تقنياً لهذا الحدث الثقافي العالمي، وإنما فاعل استراتيجي في تثبيت أسس التنمية المستدامة بالصحراء المغربية. فموسم طانطان، الذي بات فضاءً دولياً للاحتفاء بثقافة الرحل  وتثمين الذاكرة الجماعية الحسانية، لم يعد مجرد موعد فولكلوري عابر، بل أصبح إطاراً حيوياً لتقاطع السياسات العمومية في مجالات الثقافة والفلاحة والاستثمار والتأهيل الترابي.

في كلمته القوية والعميقة، شدد السيد البواري على أن نجاح هذا الموسم ليس وليد الصدفة، بل ثمرة جهود جماعية ومقاربة شمولية تروم الانفتاح والابتكار والتحديث، منوّها بالدور المحوري الذي تلعبه مؤسسة “الموكار” في صون التراث الصحراوي وجعله منطلقاً للتنمية المندمجة. لكنه لم يكتف بالإشادة الثقافية، بل سارع إلى وضع الفلاحة في صلب الحديث، كاشفاً عن توجهات الوزارة لتنزيل مشاريع طموحة ترتكز على استراتيجية “الجيل الأخضر”، والتي تهدف إلى بناء منظومة فلاحية قوية ومندمجة، قادرة على التأقلم مع التحديات المناخية والجغرافية التي تواجه الأقاليم الجنوبية.

ومما يلفت الانتباه في خطاب السيد البواري، هو تأكيده على مركزية الفلاح ومربي الماشية في هذه الاستراتيجية، وإعلانه عن برامج تنموية تتجاوز الشعارات نحو التنفيذ الملموس على أرض الواقع ، عبر دعم الإنتاج المحلي، وتطوير البنية التحتية الفلاحية، وتوفير الدعم التقني والمالي للفاعلين الترابيين في المجال الفلاحي. وهي مقاربة متقدمة تعكس وفاء الوزارة لتوجيهات جلالة الملك حفظه الله بخصوص العدالة المجالية، وإدماج مختلف جهات المملكة في الدينامية الاقتصادية الوطنية والدولية.

إن حديث الوزير لم يكن مجرد عرض سياسات قطاعية، بل رسالة وطنية تؤكد أن المغرب، من شماله إلى جنوبه، يتقدم بخطى واثقة نحو تحقيق نموذج تنموي متجدد، يجعل من الإنسان ركيزته الأساسية، ومن الثقافة والفلاحة والصيد البحري أدوات فاعلة في تحقيق الرفاه المشترك لجميع المغاربة .

وإذ نثمّن هذا الحضور الوزاري الوازن في موسم طانطان، فإننا نرى في مداخلة السيد البواري نموذجاً للخطاب المسؤول، الذي يجمع بين الواقعية والطموح، وبين الاعتزاز بالتراث والرهان على المستقبل. فالصحراء المغربية ليست فقط مجالاً رمزياً أو ذاكرة وطنية، بل هي أيضاً فضاء واعد للاستثمار والتقدم والابتكار، والفضل في ذلك يعود إلى سياسة تنبني على رؤية ملكية شاملة وحكيمة ، وإلى أطر وطنية حريصة على تنزيل هذه الرؤية بأمانة وتفانٍ وبكل روح وطنية ، كما هو الشأن بالنسبة للسيد الوزير أحمد البواري.

# عادل العربي

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.