مجلة المحيط الفلاحي

في يوم النحل العالمي… المغرب يجدد عهده مع النحلة، حارسة التنوع البيولوجي ورفيقة التنمية القروية

في العشرين من ماي من كل عام، يصطف العالم لإحياء اليوم العالمي للنحل، هذا الكائن الصغير الذي لا يتجاوز حجمه بضع سنتيمترات، لكنه يحمل على جناحيه أثقال منظومات بيئية كاملة، ويشكل عصبًا دقيقًا في معادلات الأمن الغذائي، والتوازن البيئي، والاقتصاد القروي. فالنحلة ليست مجرد منتجة للعسل، بل هي مهندسة صامتة تضمن تلقيح النباتات، وتكاثر الأشجار، ووفرة المحاصيل. في هذا اليوم، لا نحتفي بالعسل فحسب، بل نحتفي بالعمل الدؤوب، بالنظام، بالانضباط، وبسحر الطبيعة حين تتجلى في أبهى صورها.

وفي المغرب، حيث النحل حاضر في تراث المائدة، وذاكرة الحكاية الشعبية، ومشاريع الفلاحة التضامنية، تولي وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات أهمية خاصة لهذا اليوم، تجدد من خلاله التزامها العميق بدعم  مربي النحل، وتشجيع التعاونيات الفاعلة في القطاع، وتعزيز استدامة تربية النحل باعتبارها ركيزة أساسية من ركائز التنمية المحلية المستدامة، لاسيما في العالم القروي.

لقد شكلت السنوات الماضية تحديًا كبيرًا لقطاع تربية النحل، في ظل التغيرات المناخية التي أثرت على الغطاء النباتي، وارتفاع درجات الحرارة، وتوالي فترات الجفاف، إضافة إلى بعض الظواهر البيئية المستجدة كاختفاء النحل في بعض المناطق. ومع ذلك، لم يتوقف الفاعلون في القطاع، ولا وزارة الفلاحة، عن مواصلة الجهود للارتقاء به. وقد راهنت الوزارة ضمن برامج “الجيل الأخضر” على إرساء مقاربة متكاملة للنهوض بتربية النحل، ترتكز على تأهيل المراعي، وتوفير التكوين، ومواكبة المهنيين.

وفي هذا السياق، تؤكد الوزارة، بمناسبة هذا اليوم العالمي، التزامها الراسخ بمواصلة دعم مربي النحل والتعاونيات المنتشرة عبر ربوع المملكة، وذلك من خلال الاستمرارية في مواكبة التعاونيات ، التي تتميز بقدرتها للرقي بهذا القطاع  بما يساهم في رفع مردودية مربي النحل بجميع جهات المملكة، وتحسين جودة العسل  المغربي.

ويزخر المغرب بتنوع فريد من أنواع العسل، يعكس غناه البيئي وتعدد مناطقه الإحيائية، من عسل الزعتر بمنطقة الأطلس، إلى عسل السدر في المناطق الجنوبية، وعسل القرم والزݣوم في الجهات الصحراوية، وعسل الزهور البرية في الريف والسهول. هذا التعدد لا يمنح فقط مذاقات فريدة، بل يحمل إمكانيات اقتصادية وسياحية كبيرة إذا ما أحسن تثمينها وتسويقها.

ولعل القيمة الحقيقية لهذا القطاع تتجلى أيضًا في بعده الاجتماعي، إذ يوفر آلاف فرص الشغل في الوسط القروي، ويساهم في تمكين النساء والشباب، ويدعم الاقتصاد المحلي، من خلال أنشطة جمع وتعبئة وتسويق العسل ومشتقاته. وهو ما يجعل من الاستثمار في تربية النحل استثمارًا في الإنسان، في البيئة، وفي المستقبل.

في يوم النحل العالمي، يحمل المغرب رسالة واضحة: حماية النحل ليست ترفًا بيئيًا، بل هي التزام استراتيجي، وضرورة تنموية، وأمانة في أعناق الجميع. فحين نحمي النحل، نحمي مصادر غذائنا، ونحافظ على توازن الطبيعة، ونؤمن مستقبل الأجيال القادمة.

فليكن هذا اليوم مناسبة لتعزيز الوعي العام بأهمية هذا الكائن العجيب، ودعوة مفتوحة لكل الفاعلين لمضاعفة الجهود، وتحويل قطاع تربية النحل إلى رافعة حقيقية للتنمية المستدامة في مغرب اليوم والغد.

#عادل العربي

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.