مجلة المحيط الفلاحي

من الحسيمة إلى الناظور… السيدة الدريوش ترسم ملامح اقتصاد بحري متجدد

في خضمّ التحولات التنموية  المتسارعة التي يعيشها المغرب على كافة الأصعدة، يظل قطاع الصيد البحري من الروافد الأساسية التي يعوّل عليها لتحقيق الأمن الغذائي، وتنويع الاقتصاد الوطني، وخلق فرص الشغل في المناطق الساحلية  وتحقيق العدالة المجالية والتمكين الاقتصادي. ومن رحم هذا السياق، تطالعنا اليوم السيدة زكية الدريوش، كاتبة الدولة المكلفة بالصيد البحري، بقصة نجاح جديدة، تُضاف إلى رصيد غني من المنجزات التي راكمتها هذه المسؤولة الحكومية  العصامية، التي تجمع بين الرؤية الإستراتيجية لقطاع الصيد البحري، والقدرة التنفيذية، والإيمان العميق بأن الإنسان هو محور كل تنمية حقيقية.

بميناء الحسيمة، الذي يحتلّ موقعاً استراتيجياً على خارطة الصيد التقليدي والساحلي بشمال المملكة، دشّنت السيدة الدريوش سوقاً حديثاً للسمك، بقيمة ناهزت 142,1 مليون درهم، في خطوة تعكس الإرادة الحقيقية لتحديث البنيات التحتية وتحسين ظروف العمل والتسويق، من أجل الرفع من جودة المنتوج وتحقيق الإنصاف الاقتصادي لفائدة الصيادين الصغار. ولم يكن هذا التدشين مجرد حفل بروتوكولي، بل تتويجاً لمسار عمل مؤسساتي طويل، يتميز بالتخطيط المحكم، والحوار المستمر مع الفاعلين المحليين، والحرص على أن تكون المشاريع في خدمة الساكنة والمهنيين على حد سواء.

هذا المشروع لا يمكن فصله عن الدينامية التنموية التي عرفتها دائرة الصيد البحري بالحسيمة ما بين 2010 و2024، حيث تم تنفيذ مشاريع استثمارية هيكلية تجاوزت قيمتها 460 مليون درهم، شملت بناء قرى الصيادين، وتعميم نظام الصناديق الموحدة، وتوزيع الصناديق العازلة للحرارة، وإنشاء مصانع الثلج، وتجهيز الأسطول بأنظمة المراقبة والتعقب، وتحديث القوارب، وتشجيع مشاريع تربية الأحياء المائية، في مشهد يُجسّد بكل وضوح الطموح الكبير لجعل البحر رافعة للتنمية المحلية.

ولا تقف السيدة الدريوش عند حدود الإنجاز الميداني فقط، بل تمتلك من البصيرة والعمق ما يجعلها تدرك بأن التنمية البحرية لا يمكن أن تكون مستدامة إلا إذا كانت شاملة، متوازنة، ومبنية على الابتكار والتأهيل. لذلك، نراها في اليوم نفسه، 21 ن ماي وهذه المرة بإقليم الناظور ، بجماعة بني انصار تطلق  أشغال بناء سوق الجملة للسمك، ضمن مشروع واعد يعكس بُعداً استراتيجياً مزدوجاً: النهوض بالاقتصاد الأزرق في الريف الشرقي، وتحقيق التكامل بين موانئ الشمال على أسس حديثة من الحوكمة والجودة والشفافية.

ما تقوم به زكية الدريوش هو أكثر من مجرد إدارة قطاع، إنه إعادة صياغة لعلاقة المغرب ببحره، بمنطقٍ جديد يُزاوج بين الاستغلال المعقلن للثروة البحرية، وحماية النظم البيئية، وتمكين العنصر البشري من أدوات النجاح. هي بذلك تجسد فعلاً التوجهات الملكية السامية، التي ما فتئت تؤكد على ضرورة النهوض بالقطاع البحري كأحد روافد النمو الوطني، وكقاطرة لخلق فرص العمل والعدالة المجالية.

السيدة الدريوش تقود اليوم تحولاً عميقاً في السياسات البحرية للمغرب، وقد برهنت مرة أخرى أن الرؤية المتبصرة، حين تُصاحبها الجدية والمصداقية، تُثمر إنجازات ملموسة في الميدان، وتُحدث فرقاً حقيقياً في حياة آلاف الأسر التي ترتبط رزقاً وأملاً بمهنة الصيد.

في زمن يكثر فيه الكلام ويقل فيه الفعل، تقف زكية الدريوش على الجانب المشرق من المعادلة: تشتغل في صمت، تنجز في دقة، وتبني بالثقة والتدرج نموذجاً مغربياً ناجحاً في تدبير الموارد البحرية. فتحية تقدير واعتزاز لها، لأنها تبرهن كل يوم أن المرأة المغربية قادرة على حمل مشعل التغيير، ليس فقط في مكاتب التخطيط، بل على أرصفة الموانئ، وفي أعماق البحر.

#عادل العربي

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.