من الحلم إلى الحقيقة: مشروع الري الهيدروفلاحي بسهل سايس يتوّج رؤية المغرب في الأمن المائي
في زمن صار فيه الماء عملةً نادرة، ورافعة سيادية للتنمية، يتحول كل مشروع مائي إلى لحظة مفصلية في تاريخ الشعوب، ويُصبح كل تدفق جديد على الأرض بُشرى تُقاوم بها المجتمعات شبح الجفاف، وتهديدات التغيرات المناخية التي تزداد قسوة وجحودًا. وفي المغرب، الذي أدرك باكرًا أن معركة الأمن الغذائي لا تنفصل عن معركة الأمن المائي، تتوالى المشاريع الكبرى التي تنبض بالحكمة والجرأة، وتحمل توقيع إرادة ملكية ثابتة ترى في الفلاحة إحدى ركائز السيادة الغذائية الوطنية.
ومن بين هذه المشاريع المفصلية، يقف اليوم سهل سايس شامخًا، متوشحًا بفرحة الماء، بعد أن أعطى وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، السيد أحمد البواري، الانطلاقة الرسمية لتشغيل شبكة الري الهيدروفلاحية انطلاقًا من سد مداز بإقليم صفرو، في خطوة استراتيجية تضع جهة فاس-مكناس على سكة التحول الزراعي المستدام، وتعزز مكانتها كمصدر حيوي للإنتاج الفلاحي المتنوع.
هذا المشروع، الذي يُعد من المشاريع المائية الكبرى في المغرب، يُجسد بحق تحولًا نوعيًا في تدبير الموارد الطبيعية،حيث يستهدف تأمين الري المنتظم على مساحة تقارب 30 ألف هكتار تشمل 22 جماعة ترابية تابعة لعمالات فاس ومكناس، وأقاليم الحاجب وصفرو ومولاي يعقوب، وسيتم تزويدها بـ125 مليون متر مكعب من مياه السقي سنويًا، قادمة من سد مداز، عبر شبكة هندسية حديثة بُنيت بعقلانية ، وبدعم مالي دولي من شركاء يثقون في النموذج المغربي، وفي طليعتهم البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية والصندوق الأخضر للمناخ.
لكن ما يميّز هذا المشروع ليس حجمه فقط، بل فلسفته القائمة على تمكين صغار الفلاحين – الذين يمثلون 90 في المئة من المستفيدين – كما أكد السيد البواري من الولوج العادل والمستدام للمياه، عبر شبكات تنقيط حديثة ومآخذ فردية تحترم التوزيع المنصف، وتُراعي التحديات الاجتماعية والاقتصادية للساكنة القروية. وهو ما يجعل من هذا المشروع أكثر من مجرد بنية تحتية؛ بل نموذجًا حيًّا لفلاحة ذكية مقاومة للمناخ، ترتكز على الشراكة، والعدالة المجالية، والتقنيات العصرية.
لقد كان لافتًا حجم التعبئة الميدانية التي رافقت إعطاء الانطلاقة الرسمية، والتي توجت بزيارة عدد من المنشآت الكبرى كمحطة OB3 وبرج الموازنة بمنطقة القصير، إلى جانب تفقد الضيعات التي استفادت من الماء لأول مرة، ومنها ضيعة رمزية بغرس الزيتون في جماعة أغبالو أكورار. وكان حضور السيد الوزير، بمعيته عمال الأقاليم ومسؤولي الوزارة والمهنيين، تأكيدًا على أن التغيير الحقيقي لا يأتي من الخطابات، بل من النزول إلى الميدان، ومواكبة التحول بصدق والتزام.
وفي تصريحه أكد السيد البواري أن هذا المشروع الذي “كان حلماً وتحوّل إلى حقيقة”، يفتح آفاقًا واعدة أمام سهل سايس، ويكرس قدرة الدولة على الاستجابة الميدانية للتحديات، من خلال مشاريع مهيكلة تسعى إلى إنقاذ الفرشات المائية، وتحقيق عدالة في توزيع الموارد، ورفع مردودية الإنتاج الزراعي.
إننا، في مجلة “المحيط الفلاحي” وكصحافة متخصصة قريبة من الفلاح وهمومه اليومية ، نُسجل بارتياح كبير هذا الإنجاز ، ونعبر عن تقديرنا العميق للمجهودات الكبيرة التي تبذلها الوزارة، تحت إشراف السيد الوزير أحمد البواري، الذي برهن منذ تعيينه من طرف جلالة الملك حفظه الله أن الملف الفلاحي ليس مجرد قطاع تقني، بل هو قضية وطنية تستحق الإنصات، والتعبئة، والقيادة الميدانية الحقيقية.
المغرب يُثبت مرة أخرى أن الماء ليس قدرًا جغرافيًا فقط، بل ثمرة إرادة، وعمل، ووفاء لرؤية ملكية متبصرة تجعل من التنمية القروية أولوية، ومن الكرامة الفلاحية التزامًا، ومن السيادة المائية خيارًا لا رجعة فيه.
#العربي عادل