مجلة المحيط الفلاحي

الباحثون المغاربة في صدارة المؤتمر العالمي للتربة والمياه.. كفاءات علمية ترسم ملامح الزراعة المستدامة لمستقبل الإنسانية

في عالم يواجه تهديدات غير مسبوقة بسبب التغيرات المناخية المتسارعة، وارتفاع درجات الحرارة، وتراجع الموارد الطبيعية الأساسية من ماء وتربة، يطل المغرب من جديد كمنارة للعلم والبحث والتفكير الجماعي، من خلال احتضانه بالعاصمة الرباط المؤتمر العالمي السادس للمحافظة على التربة والمياه. حدث استثنائي يجمع على مائدته العلمية خبراء من مختلف القارات، ومفكرين وباحثين بارزين في مجالات الزراعة المستدامة والبيئة والموارد الطبيعية، ليضعوا نصب أعينهم سؤالاً مصيرياً: كيف يمكن حماية أساس الحياة فوق الأرض، أي التربة والماء، من خطر التدهور والاستنزاف، وضمان استدامتهما للأجيال القادمة؟

إن هذا اللقاء العلمي، المنظم من طرف المعهد الوطني للبحث الزراعي وإيكاردا بشراكة مع مؤسسات وطنية ودولية تحت إشراف وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، لا يُعبر فقط عن انخراط المغرب في النقاشات العالمية حول الأمن الغذائي والتغير المناخي، بل يترجم أيضاً إرادة وطنية راسخة، تحت القيادة الحكيمة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله، في جعل البحث العلمي قاعدة صلبة لسياسات التنمية الزراعية المستدامة. فالمغرب لم يعد مجرد متلقٍّ للتجارب، بل أضحى مساهماً رئيسياً في إنتاج المعرفة العلمية وتطوير الحلول المبتكرة التي تخدم الإنسانية جمعاء.

ولعل من أبرز ما يميز هذا المؤتمر هو الحضور الفاعل والوازن للباحثين المغاربة، الذين أبانوا على مر السنوات عن كفاءة عالية في ملامسة الإشكالات المعقدة المرتبطة بالزراعة والمناخ، وعن قدرة استثنائية على ربط البحث العلمي بالواقع الميداني. لقد جسّدوا من خلال مشاركتهم في هذا المؤتمر صورة المغرب الطامح إلى بناء نموذج زراعي متوازن، يقوم على الابتكار، ويستند إلى خبرات تراكمت في مجالات تحليل التربة، تدبير الموارد المائية، وإيجاد حلول عملية لمعضلات التصحر والجفاف.

لقد شكلت الجلسة الافتتاحية لهذا المؤتمر مناسبة لإبراز التحديات والفرص على حد سواء؛ حيث دعا رئيس المنظمة العالمية للمحافظة على التربة والمياه إلى جعل التعاون الدولي حجر الزاوية في مواجهة التصحر وتدهور الأراضي، فيما ركّز خبراء آخرون على دور الابتكار التكنولوجي والأسمدة الذكية في تقليص البصمة الكربونية للقطاع الزراعي. غير أن ما ميّز هذا النقاش هو حضور صوت الباحثين المغاربة، الذين تولوا قيادة عدد من الجلسات، وقدموا تجارب رائدة في مجالات الحفاظ على صحة التربة والمياه،  وإشراك المزارعين في اعتماد الممارسات الزراعية المبتكرة.

إن نجاح هذا الحدث العالمي بالمغرب لم يكن ليتحقق لولا المجهودات الكبيرة التي يبذلها الباحثون المغاربة ، وهم يواصلون عملهم الطموح  داخل مختبراتهم وحقولهم التجريبية، بحثاً عن حلول مبتكرة تزاوج بين المعطيات العلمية الصارمة وحاجيات الفلاح المغربي . إنهم الجنود  الذين يضعون اللبنات الأولى لبناء سياسات وطنية فلاحية تراعي التوازن البيئي، وتعزز الأمن الغذائي، وتفتح آفاقاً رحبة للتعاون الدولي.

و للإشارة يمتد المؤتمر على مدى عدة أيام، ليكون بحق فضاءً غنياً لتبادل الخبرات وعرض أحدث الابتكارات العلمية، ومجالاً لترسيخ موقع المغرب كمنصة إقليمية وعالمية للنقاش حول القضايا الزراعية والبيئية الملحة. وما يعزز أهمية هذه التظاهرة العلمية هو أنها لا تكتفي بالتحليل الأكاديمي فقط ، بل تسعى إلى صياغة توصيات عملية قابلة للتنفيذ، تُساهم في رسم خريطة طريق لمستقبل الزراعة المستدامة في العالم و افريقيا بالخصوص .

إن المؤتمر العالمي السادس للمحافظة على التربة والمياه، وهو يحط رحاله بعاصمة المملكة المغربية الرباط ، يشهد للعالم على أن المغرب اختار طريق البحث العلمي والتعاون الدولي كمدخل أساسي لمواجهة تحديات  الحاضر والمستقبل من تغييرات مناخية صعبة . ويشهد، قبل ذلك، على أن للباحثين المغاربة بصمة حقيقية، وجهوداً مخلصة، ورؤية استشرافية تجعلهم في طليعة الجنود الذين يدافعون عن حق البشرية في التربة الخصبة والماء النقي والغذاء الكافي.

#العربي عادل

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.