الزرع المباشر.. رهان استراتيجي لمستقبل زراعي أكثر استدامة
في عالم يواجه تحديات متزايدة بفعل تغير المناخ وندرة الموارد الطبيعية، أصبحت الزراعة المستدامة خيارًا لا محيد عنه لضمان الأمن الغذائي وتعزيز القدرة الإنتاجية للقطاع الفلاحي. ومن بين الحلول الواعدة التي فرضت نفسها بقوة في المشهد الزراعي المغربي، تأتي تقنية الزرع المباشر كركيزة أساسية لتحقيق التحول نحو نموذج زراعي أكثر كفاءة واستدامة، انسجامًا مع التوجيهات الملكية السامية وأهداف استراتيجية “الجيل الأخضر” 2020-2030.
إن انعقاد اللجنة الوطنية التنسيقية للزرع المباشر يوم 18 مارس الجاري، بمشاركة مختلف الفاعلين والمتدخلين في القطاع، يشكل محطة أساسية لتقييم الإنجازات المحققة، ورسم معالم المرحلة المقبلة من هذا المشروع الطموح، الذي أصبح أحد المحاور الكبرى للسياسة الفلاحية بالمغرب. فالرهان اليوم ليس فقط على توسيع المساحات المزروعة بهذه التقنية، بل أيضًا على ترسيخها كثقافة جديدة في الممارسات الزراعية، بما يضمن تحسين الإنتاجية، وتعزيز خصوبة التربة، والرفع من مردودية الأراضي الزراعية على المدى الطويل.
لقد أثبتت التجارب الميدانية نجاح الزرع المباشر في تحقيق مكاسب مهمة، حيث سجلت بعض المناطق زيادات في الإنتاجية فاقت 100% مقارنة بالزراعة التقليدية، فضلًا عن تحسين كفاءة استخدام الموارد المائية، وتقليص التكاليف المرتبطة بتحضير التربة. ورغم التحديات المناخية التي طبعت الموسم الماضي، فقد ارتفعت المساحة المزروعة وفق هذه التقنية من 85 ألف هكتار إلى 160 ألف هكتار حتى مارس الجاري، مع توقعات ببلوغ 200 ألف هكتار بحلول نهاية الموسم. وهذه الأرقام ليست سوى محطة ضمن مسار تصاعدي، إذ تسعى الوزارة الوصية إلى تحقيق 400 ألف هكتار الموسم المقبل، ووضع خارطة طريق للوصول إلى مليون هكتار بحلول سنة 2030.
إدراكًا لأهمية التتبع والتقييم في إنجاح أي مشروع استراتيجي، تم خلال الاجتماع تقديم منصة رقمية متطورة تعتمد على تقنيات الاستشعار عن بعد والمعطيات الحقلية، بهدف تحسين تتبع تنفيذ البرنامج، وتمكين الفلاحين من المعلومات اللازمة لاتخاذ قرارات زراعية مبنية على بيانات دقيقة. كما ستساهم هذه المنصة في تعزيز إشراك الشباب في هذا التحول الزراعي، عبر تمكينهم من أدوات حديثة تجعل من الزراعة قطاعًا أكثر جاذبية، وأقل ارتباطًا بالطرق التقليدية ذات الهامش الكبير من المخاطر والتحديات.
النجاحات التي حققها مشروع الزرع المباشر ما كانت لتتحقق لولا تضافر جهود مختلف الفاعلين، من وزارة الفلاحة، والمعهد الوطني للبحث الزراعي، والمكتب الوطني للاستشارة الفلاحية، والمبادرات الرائدة مثل “المثمر”، “تربة”، ومجموعة القرض الفلاحي للمغرب، فضلًا عن الشراكات الدولية مع إيكاردا والبنك الدولي، اللذين يقدمان دعمًا هامًا لهذا التحول نحو ممارسات زراعية أكثر استدامة ومقاومة للتغيرات المناخية.
إن الزرع المباشر ليس مجرد تقنية زراعية، بل هو تغيير جذري في طريقة التعامل مع التربة والموارد الطبيعية ، بما يضمن استدامتها للأجيال القادمة. ومع استمرار تنفيذ هذا البرنامج الطموح، فإن المغرب يخطو بثبات نحو زراعة ذكية، قائمة على الابتكار، والبحث العلمي، والشراكات الفعالة، لتحقيق أمن غذائي مستدامة ومستقبل فلاحي أكثر ازدهار.
#عادل العربي