العقول المغربية تزرع المجد العلمي: خرائط ذكية لخصوبة التربة تضع المغرب في صدارة الابتكار الزراعي
حين تجتمع عبقرية العقول الوطنية مع إصرار لا يعرف المستحيل، تتشكل قصص نجاح قادرة على إلهام الأجيال وترك بصمة في سجل الإنجازات العالمية. واليوم، يكتب المغرب فصلاً جديدًا من فصول ريادته العلمية، بعد أن حجز لنفسه مكانًا مرموقًا في واحدة من أرفع المنصات البحثية في العالم، مجلة “Nature” المرموقة، التي نشرت في الثامن من اغسطس على صفحتها هذا التميز العلمي والتي لا ينشر فيها إلا الأبحاث الأكثر ابتكارًا وتأثيرًا.
أطلق فريق من الباحثين المغاربة مبادرة علمية غير مسبوقة، تمثلت في إعداد أول خرائط وطنية عالية الدقة لعناصر الفوسفور والبوتاسيوم في التربة الزراعية بالمملكة، مستندين إلى مزيج متكامل من التحاليل المخبرية الدقيقة و النموذجية بالذكاء الاصطناعي. هذا العمل، الذي يوازي في قيمته الاستراتيجية مشاريع وطنية كبرى، لم يأتِ من فراغ، بل كان ثمرة سنوات من البحث الميداني، وجمع البيانات، وتحليلها بدقة، وتوظيف أحدث الخوارزميات العلمية لتقديم صورة واضحة عن ثروتنا الترابية.
وللاشارة قاد هذا البحث المتميز ياسين بوشليهم، الباحث في المعهد الوطني للبحث الزراعي (INRA)، وعبد الكريم بوعسرية، أستاذ بجامعة شعيب الدكالي، بمشاركة باحثين كبار منهم أحمد جَلول ولطفي خياري من جامعة لافال، وسارة دحّاني من جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، والدكتور رشيد مصدق الباحث بالمعهد الوطني للبحث الزراعي و”إيكاردا”ورشيد مرابط من المعهد الوطني للبحث الزراعي.
لقد نجح هؤلاء الباحثين في وضع قاعدة بيانات هي الأضخم من نوعها، تضم آلاف العينات المأخوذة من مختلف ربوع المملكة، لتخرج خرائط دقيقة بدقة 250 مترًا، تكشف توزيع عنصرين أساسيين لنمو محاصيلنا، وتمنح المزارع المغربي أداة عملية لترشيد التسميد وتحقيق إنتاجية أفضل بأقل تكلفة بيئية.
الأهمية هنا لا تقتصر على الأرقام والنماذج العلمية، بل تتجاوزها إلى ما تحمله هذه المبادرة من دلالات عميقة: فالمغرب لم يعد مجرد متلقٍّ للتكنولوجيا، بل أصبح منتجًا للمعرفة، ومصدرًا لحلول علمية قابلة للتطبيق في دول أخرى تواجه التحديات ذاتها. إنها رسالة واضحة إلى العالم بأن العقول المغربية، حين تتوفر لها بيئة البحث والدعم، قادرة على صياغة حلول تتجاوز حدود الجغرافيا.
إننا اليوم أمام جهد يستحق أن يُدرّس كنموذج للعمل البحثي الموجه نحو خدمة التنمية المستدامة، جهد يكشف كيف يمكن للبحث العلمي أن يتحول إلى أداة استراتيجية لتحقيق الأمن الغذائي، وحماية الموارد الطبيعية، وتعزيز سيادة القرار الزراعي. وبقدر ما نفرح بهذا السبق العلمي، بقدر ما نزداد إيمانًا بأن الاستثمار في العلم والعلماء هو استثمار في مستقبل الوطن.
كل التحية والإكبار لهؤلاء الباحثين الذين أهدوا المغرب هذا الإنجاز، وكل الأمل أن تكون هذه الخرائط خطوة أولى نحو مشاريع أكبر تضع بلادنا في طليعة الدول الرائدة في الزراعة الذكية، وتفتح أمام المزارع المغربي أبواب عصر جديد، عنوانه الدقة، والاستدامة، والابتكار.
#عادل العربي