المغرب يعزز ريادته الدولية في صون الموارد الطبيعية من خلال نجاح المؤتمر العالمي السادس للمحافظة على التربة والمياه
من قلب الرباط، عاصمة الفكر والحوار، ارتفعت هذا الأسبوع أصوات العلماء والخبراء من مختلف القارات لتشهد على نجاح مغربي استثنائي، عنوانه المؤتمر العالمي السادس للمحافظة على التربة والمياه. لم يكن هذا الحدث مجرد لقاء أكاديمي، بل محطة تاريخية أكدت قدرة المغرب على جمع أكثر من 500 خبير وباحث ومهني حول طاولة واحدة، من أجل مناقشة أعقد التحديات التي تواجه الإنسانية: ندرة المياه، تدهور التربة، والتغيرات المناخية المتسارعة.
خبراء العالم والمغاربة اجتمعوا تحت سقف واحد، ليؤكدوا أن قضية التربة والمياه لم تعد شأناً محلياً أو إقليمياً، بل قضية كونية تمسّ الأمن الغذائي، وصحة الإنسان، واستدامة النظم البيئية. هذا الحضور الدولي الوازن لم يكن ليُترجم على أرض الواقع لولا ما راكمه المغرب من خبرة، وما أبان عنه من قدرة على استضافة فعاليات كبرى ذات إشعاع عالمي، تحت إشراف وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات.
لقد جسّد هذا الحدث، المنظم بتعاون وثيق بين المعهد الوطني للبحث الزراعي و”إيكاردا”، وبدعم من شركاء وطنيين ودوليين مرموقين، نموذجاً ناجحاً في تقاسم المعرفة، وتعزيز جسور التعاون، والانفتاح على تجارب متعددة من شمال العالم وجنوبه. كما أبرز دينامية الباحثين المغاربة وقدرتهم على المساهمة في النقاش العلمي الراهن حول الزراعة المستدامة، بما يحمله من أبعاد اقتصادية وبيئية واجتماعية.
تميزت أشغال المؤتمر ببرنامج علمي غني ومتعدد الأبعاد: من جلسات عامة ألقت الضوء على التحديات الكبرى، إلى ورشات متخصصة ناقشت صحة التربة وسبل استدامتها، إلى جانب اعطاء فرصة نوعية لفائدة الباحثين الشباب، وتنظيم زيارة ميدانية للخبراء أتاحت الفرصة لمعاينة التحديات والحلول مباشرة على الأرض. هذا الزخم العلمي لم يكن مجرد تبادل للمعارف، بل كان إعلاناً عن إرادة جماعية في تحويل الأفكار إلى سياسات وممارسات قادرة على مواجهة واقع التغير المناخي وتداعياته المتزايدة.
إن النجاح الكبير الذي حققه هذا المؤتمر لم يكن محصوراً في حسن التنظيم أو قوة المشاركة، بل في الرسالة العميقة التي بعث بها: المغرب بلد منفتح، ملتزم بقضايا الاستدامة، وقادر على حشد الطاقات والخبرات من أجل خدمة الإنسانية. وهو نجاح يعزز مكانة المملكة كفاعل مسؤول، يُدرك أن معركة الغد ليست فقط معركة نمو اقتصادي، بل معركة وجود، عنوانها الأبرز: الماء والتربة، أساس الحياة.
لقد كان هذا المؤتمر مناسبة لإعادة التذكير بأن استراتيجية “الجيل الأخضر 2020-2030” ليست مجرد شعار، بل رؤية واقعية لبناء فلاحة قادرة على الصمود أمام التغيرات المناخية. ومن خلال هذا الإنجاز، يثبت المغرب أنه لا يكتفي بالمشاركة في النقاش العالمي، بل يساهم بفعالية في صياغة أجندته العلمية والتنموية.
وهكذا، خرج المؤتمر برسالة واضحة: إذا كان المستقبل رهيناً بقدرتنا على حماية مواردنا الطبيعية، فإن المغرب، بما يملكه من إرادة سياسية ورؤية استراتيجية وشراكات متينة، يقف اليوم في الصفوف الأمامية لهذه المعركة، ويمنح للعالم نموذجاً في كيف يمكن الجمع بين العلم والعمل، بين الإرادة الوطنية والانفتاح الدولي، لصالح أجيال الحاضر والمستقبل.
وفي ختام هذه التظاهرة الدولية العلمية الكبرى، لا يسعنا إلا أن نحيي بحرارة المجهودات الجبارة التي بذلها الباحثون والخبراء المغاربة، الذين برهنوا مرة أخرى على كفاءتهم العالية وقدرتهم على الإسهام في النقاشات العلمية العالمية بأفكار مبتكرة ورؤى رصينة. لقد جسّدوا صورة المغرب الذي يراهن على أبنائه من أجل صناعة المستقبل، وأثبتوا أن العلم والمعرفة هما السلاح الأنجع لمواجهة التحديات المناخية وضمان استدامة موارده الطبيعية.
#عادل العربي