مجلة المحيط الفلاحي

المغرب يقود التحوّل الغذائي في إفريقيا: دعوة لإحداث صندوق دولي يعزز السيادة ويواجه التحديات بشراكة تضامنية…

في ظل عالم تتفاقم فيه الأزمات وتتداخل التحديات، من تغيرات مناخية قاسية، وندرة في الموارد الطبيعية، وارتفاع معدلات الفقر والهشاشة الغذائية، تبرز الحاجة الملحّة إلى تحالفات استراتيجية، ورؤى متبصّرة، وحلول مبتكرة، تُعيد الاعتبار لقضية الأمن الغذائي كأولوية لا تقبل التأجيل.

وفي هذا السياق المتقلب، يواصل المغرب، بقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، تأكيد التزامه العميق بقضايا القارة الإفريقية، مجسِّداً ذلك من خلال مبادرات ملموسة، وقرارات سيادية جريئة، ترمي إلى بناء مستقبل أكثر عدلاً واستقراراً للقارة.

ومن قلب العاصمة الإفريقية “أديس أبابا”، وخلال أشغال التقييم الثاني لقمة الأمم المتحدة حول الأنظمة الغذائية، أطلق المغرب دعوة تاريخية لإحداث صندوق دولي مخصص للأمن الغذائي في إفريقيا، مبادرة استراتيجية تؤكد أن المملكة لا تكتفي برصد الإشكالات، بل تسعى لتقديم حلول عملية قابلة للتنفيذ، انطلاقاً من تجربتها الريادية في مجال الفلاحة المستدامة، وتدبير الموارد، وتمكين الفئات الهشة من سلاسل الإنتاج الغذائي.

لقد حمل وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، السيد أحمد البواري،  بإسم المملكة المغربية، في مداخلة وُصفت بالقوية والواضحة، أكد فيها أن تعزيز السيادة الغذائية للقارة الإفريقية لم يعد خياراً، بل ضرورة مصيرية، مشدداً على أن التحول الحقيقي نحو أنظمة غذائية عادلة ومرنة وشاملة يستوجب تعبئة جماعية، وتمويلاً مسؤولاً، وحكامة متعددة الأبعاد، تأخذ بعين الاعتبار العدالة المناخية والاجتماعية، والابتكار، والمعرفة المحلية، والحق في الغذاء الصحي.

إن الدعوة إلى إحداث هذا الصندوق الدولي ليست اقتراحاً تقنياً محضاً، بل تعبير عن إرادة سياسية قوية  نابعة من إيمان المغرب العميق بأن لا تنمية ممكنة دون ضمان الغذاء والماء لشعوب القارة، ولا أمن جماعي دون تضامن فعلي، ولا سيادة حقيقية دون قدرة الدول على إطعام شعوبها. كما أنها تأتي لتجسد الرؤية الملكية الحكيمة الداعية إلى تعاون جنوب-جنوب أكثر إنصافاً وفعالية، خاصة من خلال مبادرات استراتيجية كـ”مبادرة تكييف الفلاحة الإفريقية” و”مبادرة الاستدامة والاستقرار والأمن في إفريقيا”.

وإذ تستعد الأسرة الدولية لبلوغ أهداف التنمية المستدامة في أفق 2030، يشكل هذا التقييم الثاني لقمة الأنظمة الغذائية لحظة محورية لإعادة رسم خارطة الطريق نحو مستقبل غذائي أكثر إنصافاً وشمولاً. والمغرب، بحكم موقعه الجيو-استراتيجي، وخبراته المتراكمة، وانخراطه الفعلي في التحولات الكبرى، يؤكد مرة أخرى استعداده الكامل ليكون في طليعة هذا التحول، شريكاً فاعلاً ومسؤولاً، يبني الجسور لا الجدران، ويقترح الحلول الذي يطلقها ميدانيا و لا يكتفي بتشخيص الأزمات فقط، واضعاً الإنسان في قلب كل السياسات.

وهكذا، يُثبت المغرب، مرة أخرى، أن قيادته الإقليمية ليست شعاراً دبلوماسياً، بل فعلٌ متجذر في الميدان، وفي الرؤية، وفي المبدأ الإنساني .

#العربي عادل

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.