مجلة المحيط الفلاحي

المواطن والشناق: شراكة في إنتاج الفوضى…

في خضمّ الجدل المتزايد حول ارتفاع الأسعار واستفحال المضاربة، اعتدنا أن نحمّل “الشناقة” والوسطاء مسؤولية الفوضى التي تعمّ الأسواق، ونسارع إلى إدانتهم كأنهم غرباء تسللوا إلى منظومتنا من خارج المجتمع. غير أن الحقيقة التي تؤلم أكثر من الغلاء ذاته، هي أن المواطن هو من يصنع هؤلاء، ويفتح لهم الطريق، ويغذي وجودهم بسلوكه الاستهلاكي اليومي.

الشناق لا يولد من فراغ، ولا يفرض نفسه بالقوة، بل يجد في المواطن الضعيف أمام لهفة الاقتناء، وفي العقلية التي تبحث عن الربح السريع ولو على حساب المبادئ، تربة خصبة للتمدد والسيطرة. عندما يُقبل الناس على شراء الدوارة ب 700 درهم ، ويتدافعون عليه بشراهة وكأننا في إعلان مجاعة قادمة ، فإنهم يبرّرون للشناقة فعلهم، ويمنحونهم الشرعية المطلقة للهيمنة على السوق.

إن المشهد صارخ: أسعار اللحوم في تصاعد بعدما عرفت انخفاض كبيرا في الشهور الماضية منذ  أن أعلن  جلالة الملك محمد السادس حفظه الله سابقا ، في رسالة ملكية تلاها وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، عن  إلغاء شعيرة ذبح الأضحية لهذا العام، حيث جاء هذا القرار استجابة لظروف اقتصادية وبيئية استثنائية أدت إلى ضغوط على القطاع الفلاحي والثروة الحيوانية. لكن الناس تلهث خلف اللحوم وتساهم في إرتفاعها  دون تفكير، في مشهد لا يعكس فقط أزمة القدرة الشرائية، بل أزمة وعي مجتمعي أعمق. فمتى نعي أن كل لهفة غير مبرّرة، وكل شراء تحت الضغط، هو انتصار للوسيط وانهزام للقيم الاقتصادية السليمة؟

لا يمكن لأي إصلاح اقتصادي أن ينجح ما لم يرافقه إصلاح في العقليات. ولا يمكن لأي جهاز رقابي أن يحاصر الاحتكار، ما لم يتحرّر المواطن من ثقافة التطبيع مع الفساد الصغير. الإصلاح الحقيقي يبدأ حين يقرر المواطن أن لا يكون جزءًا من اللعبة، أن يرفض السعر الجائر، أن يتوجّه مباشرة إلى المصدر، وأن يقطع الطريق على كل من يحاول أن يكون وسيطًا دون وجه حق.

لنصنع اقتصادًا نزيهًا من قراراتنا الفردية، ولنمنح السوق مناعتَه من سلوكنا اليومي. فالشفافية ليست مجرد شعار، بل ممارسة تبدأ من لحظة شراء، ومن موقف بسيط قد يبدو تافهًا، لكنه يرسم ملامح مجتمع بأكمله.

#عادل العربي

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.