مجلة المحيط الفلاحي

برؤية ملكية وإرادة حكومية: البواري والدريوش يُعززان النهضة الفلاحية والبحرية في قلب الصحراء المغربية

في مشهد يعكس الدينامية المتسارعة التي تشهدها الأقاليم الجنوبية للمملكة، تواصل جهة الداخلة – وادي الذهب ترسيخ مكانتها كقاطرة تنموية متقدمة، بفضل رؤية ملكية متبصرة واستراتيجية حكومية مندمجة، تراهن على تعبئة كل الإمكانيات البشرية والطبيعية والتكنولوجية لتحويل التحديات إلى فرص، والمجالات المهمشة إلى أقطاب إنتاجية ذات إشعاع وطني ودولي.

زيارة وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، السيد أحمد البواري، يوم الجمعة 2 ماي 2025، إلى الجهة رفقة السيدة الدريوش، لم تكن زيارة بروتوكولية عابرة، بل محطة نوعية لتتبع المشاريع الكبرى التي تُجسّد التحول العميق الذي تعرفه المنطقة، خاصة على مستوى الفلاحة المستدامة، وتثمين الموارد البحرية، وتعزيز البنيات التحتية والخدمات، بما يستجيب لحاجيات الساكنة ويُعزز جاذبية الاستثمار.

ولعل المشروع الاستراتيجي لتحلية مياه البحر، الذي بلغت نسبة إنجازه 75% حسب ما أكده السيد البواري ، يُعد أبرز عنوان لهذه الطفرة التنموية. فأن تُنتج الداخلة 37 مليون متر مكعب من المياه المحلاة سنويًا، وتُخصص 30 مليون منها لسقي محيط فلاحي جديد على مساحة 5200 هكتار، هو استثمار في المستقبل، يوازيه اعتماد كلي على الطاقة الريحية لتقليص البصمة الكربونية، وتوفير استقلال طاقي يُحوّل الجهة إلى مختبر حقيقي لنموذج تنموي أخضر.

هذا المشروع، الذي سيمكن من خلق أزيد من 25 ألف منصب شغل قار، وإنتاج ما يفوق 500 ألف طن من الخضروات سنويًا، يضع الداخلة في مصاف الأقاليم الرائدة في تحقيق الأمن الغذائي، وتثمين الموارد الطبيعية وفق مقاربة مبتكرة تدمج البعد البيئي بالبعد الاجتماعي والاقتصادي.

وفي القطاع البحري، واصلت الزيارة الكشف عن مشاريع نوعية، أبرزها وحدات تثمين الأسماك السطحية الصغيرة، التي يُنتظر منها تشغيل أكثر من 4300 شخص، ورفع نسبة تثمين المصطادات إلى مستويات غير مسبوقة، ما يُكرّس التحول من منطق الاستخراج إلى منطق التصنيع وخلق القيمة المضافة.

أما في مجال التسويق، فقد شكل مشروع سوق الجملة وسوق القرب بمدينة الداخلة خطوة حاسمة نحو تحديث قنوات التوزيع، وتوفير فضاءات تراعي شروط السلامة وجودة المنتوج، ما سيمكن من تأمين حلقات سلسلة الإنتاج وتثمينها، لصالح المنتجين والمستهلكين على حد سواء.

ومن البحر أيضًا، جاءت مبادرة توزيع أجهزة إرسال الإغاثة عبر الأقمار الاصطناعية لفائدة قوارب الصيد التقليدي، لتُجسد البعد الإنساني لحكامة القطاع، وتُعزز السلامة البحرية، وتحمي أرواح آلاف البحارة، في التزام صريح بجعل التكنولوجيا رافعة للتنمية البشرية.

إنها ملحمة حقيقية تُكتب اليوم في الداخلة بالصحراء المغربية بحروف من عزيمة، تقودها إرادة ملكية سامية تُؤمن بقدرة الإنسان المغربي على التغيير حين توفَّر له شروط الجد والفرص. وهي رسالة قوية بأن الأقاليم الجنوبية للمملكة ليست فقط حدود الوطن، بل هي قلبه النابض وأمله في مستقبل مزدهر ومندمج.

من الداخلة، تُرسَم اليوم ملامح مغرب الجهوية المتقدمة… مغرب العدالة المجالية… مغرب الكفاءات والطاقات… مغرب لا يرضى لجنوبه إلا التنمية، ولشماله إلا التضامن، ولأبنائه قاطبة إلا العيش الكريم في وطن يسير بخطى واثقة نحو الغد الأفضل.

#عادل العربي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.