رياض يكتب : التعاونيات الفلاحية رافعة للتنمية القروية وتحديات التسويق في ظل المنافسة المتزايدة
تُعد التعاونيات الفلاحية من بين أبرز أشكال التنظيم الاقتصادي التضامني في العالم القروي، إذ تجمع بين أفراد ذاتيين أو اعتباريين يزاولون أنشطة فلاحية بهدف تحقيق مصالح اجتماعية واقتصادية مشتركة، في إطار من التعاون والتكافل. وفي ظل التحولات التي يعرفها القطاع الفلاحي، يتزايد الإقبال على المنتجات الفلاحية بفعل تطور أنماط الاستهلاك المحلي وتنامي الطلب، فضلاً عن الاهتمام المتصاعد من طرف المستثمرين، سواء من الشركات أو التعاونيات، ما يفتح آفاقاً واعدة لهذا القطاع.
وقد ساهم الموقع الجغرافي المتميز للمغرب، إلى جانب تنوعه المناخي، في دعم هذه الدينامية الفلاحية، كما كان لمخطط المغرب الأخضر دور محوري في إرساء دعائم فلاحة حديثة ومستدامة، عززت من الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في الوسط القروي. ورغم هذه المكتسبات، لا تزال عدد من التعاونيات الفلاحية الناشئة تواجه تحديات حقيقية، خصوصاً على مستوى تسويق منتجاتها وطنياً، ما يُعرض بعضها لخطر الإفلاس المبكر.
ولتحقيق التموقع الناجع في السوق وضمان استمرارية النشاط، تبرز الحاجة الملحة إلى اعتماد مقاربات تسويقية فعالة، تأخذ بعين الاعتبار واقع السوق ومتغيراته، وتعزز من قدرة التعاونية على التميّز والتكيف.
أولاً: دراسة السوق – خطوة نحو النجاح
تُعد دراسة السوق المرحلة الأولى والأساسية لتفادي فشل المشروع منذ انطلاقه. فهي تُمكّن التعاونية من تكوين تصور دقيق حول طبيعة السوق المستهدف، وخصائص المستهلكين، والمنافسين، ونقاط القوة والضعف، ما يساعد على تحديد الأهداف بوضوح. ويمكن في هذا الصدد الاستعانة باستطلاعات للرأي وجمع معطيات دقيقة حول المنتجات المنافسة، ما يوفر قاعدة بيانات صلبة لبناء رؤية استراتيجية تسويقية متكاملة.
ثانياً: التشخيص والتحليل الاستراتيجي (تحليل SWOT)
يمكن لتحليل SWOT أن يمنح التعاونية نظرة شمولية على بيئتها الداخلية والخارجية، من خلال تحديد نقاط القوة والضعف على مستوى الموارد البشرية، والقدرات الإنتاجية، والتمويل، والمعرفة التقنية، إلى جانب تحديد الفرص والتهديدات الخارجية المرتبطة بالسوق والمنافسة. هذا التحليل يمكّن التعاونية من وضع استراتيجيات مُحكمة لاستثمار الفرص وتقوية القدرات الذاتية، مع الاستعداد لمجابهة التهديدات المحتملة بشكل استباقي.
ثالثاً: المزيج التسويقي – دعامة استراتيجية للتسويق..
يعتمد التسويق الفلاحي الفعّال على أربع دعائم أساسية تُعرف بالمزيج التسويقي العالمي (4P):
1. المنتوج (Produit): يجب على التعاونية تحديد نوع المنتج المعروض، سواء كان مادة استهلاكية أو خدمة، مع إبراز خصائصه ومميزاته من حيث الجودة، والتغليف، والتصميم. فكلما كان المنتوج ذا هوية واضحة ومتميزة، سهل تثمينه في السوق.
2. السعر (Prix): تسعير المنتوج يجب أن يأخذ بعين الاعتبار طبيعة السوق وقوة المنافسة. وهناك استراتيجيات متعددة يمكن اعتمادها مثل التسعير الموازي للمنافسين، أو استراتيجية الدخول بسعر منخفض لجذب العملاء في البداية.
3. مكان التسويق (Place): تظل إشكالية فضاءات العرض والتسويق إحدى أبرز التحديات، حيث تفتقر العديد من التعاونيات لفضاءات دائمة لبيع منتجاتها، باستثناء بعض المعارض الموسمية كالمعرض الدولي للفلاحة بمكناس. لذلك، من الضروري العمل على خلق اتحادات تعاونيات أو جمعيات جهوية تنظم معارض محلية وأسواق تضامنية تضمن تسويقاً مستداماً.
4. الترويج (Promotion): التواصل الفعال أداة رئيسية في الترويج، ويتطلب اعتماد وسائل حديثة مثل التسويق الرقمي عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وإنشاء محتوى دعائي جذاب، وتنظيم حملات تحسيسية لتعزيز الوعي بالمنتج المحلي.
نحو تصور استراتيجي ناجع…
إن التموقع الجيد للتعاونية في السوق لا يمكن أن يتم إلا عبر فهم دقيق لمكونات السوق ورسم خطة استراتيجية واضحة تأخذ بعين الاعتبار المسار الكامل للمنتج، من لحظة إخراجه إلى السوق، مروراً بطريقة تقديمه، وصولاً إلى تفاعل المستهلك معه، مع القدرة على مواجهة المنافسة.
لذا، فإن التعاونية الفلاحية، باعتبارها أداة تنموية فعالة، مدعوة أكثر من أي وقت مضى إلى ترسيخ ثقافة التسويق داخل بنيتها التنظيمية، والعمل على بناء هوية تسويقية قوية تمكّنها من التميز في سوق يتسم بالدينامية والتنافسية، ما يعزز من فرص نجاحها واستدامتها في خدمة الاقتصاد التضامني والتنمية القروية.
#رياض وحتيتا : خبير زراعي مستشار فلاحي معتمد من طرف وزارة الفلاحة