مجلة المحيط الفلاحي

قلعة مكونة تحتفي بالدورة 60 للمعرض الدولي للورد العطري : دينامية تنموية في قلب الواحات المغربية …

في قلب جبال الأطلس وسفوح الجنوب الشرقي للمملكة، حيث تتعانق الطبيعة بصفائها مع التراث الأصيل في أبهى تجلياته، تتلألأ قلعة مكونة مجددًا كعاصمة رمزية للورد العطري، محتفية بستة عقود من الإشعاع والعطاء، في تظاهرة تنموية  رفيعة  تنظم تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، وتُجسد البعد التنموي العميق لهذا المنتوج التراثي، الذي لم يعد مجرد رمز للجمال والاحتفاء الموسمي، بل تحول إلى رافعة اقتصادية واجتماعية قوية، في انسجام تام مع الرؤية الاستراتيجية لوزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات في تنزيل مضامين “الجيل الأخضر 2020-2030”.

من الخامس  إلى الثامن ماي 2025، تستضيف مدينة قلعة مكونة الدورة الستين للمعرض الدولي للورد العطري بالمغرب، في حدث استثنائي يُجسد روح الاستمرارية والانفتاح، ويؤكد أن الورد العطري، بما له من حمولة ثقافية وإيكولوجية، بات اليوم عنوانًا لمسار تنموي متكامل يجمع بين تثمين الموارد المحلية، وتمكين النساء والشباب، وتحقيق العدالة المجالية، عبر استثمارات ذكية ومشاريع طموحة ترتكز على الاقتصاد التضامني والابتكار الفلاحي.

لقد أصبح هذا المعرض منصة وطنية ودولية لإبراز النتائج المحققة في إطار استراتيجية المغرب الأخضر سابقا و الجيل الأخضر حاليا ، حيث لم يعد الحديث عن الورد العطري محصورًا في جمال الأزهار وطقوس الجني، بل امتد بدعم وزارة الفلاحة ليشمل تطورًا ملموسًا في بنيات الإنتاج، وتحسينًا نوعيًا في دخل الفلاحين، وتوسعًا لافتًا في المساحات المزروعة التي بلغت 1020 هكتارًا، مع تحقيق ارتفاع في المردودية بنسبة 25%، وبلوغ إنتاج قياسي تجاوز 4100 طن هذا الموسم، في ظل ظروف مناخية مواتية وجهود ميدانية حثيثة مبذولة.

ولا تقتصر أهمية هذه الدورة على الجانب الاقتصادي، بل تتجاوزه لتكرّس موقع الورد العطري في قلب السياسات العمومية الترابية،  حيث قام وزير الفلاحة السيد البوراي  على هامش إفتتاح المعرض  بزيارات ميدانية لمشاريع فلاحية نموذجية تعكس دينامية الإقليم، كضيعة الورد العطري الممتدة على 8.5 هكتارات والمجهزة بأنظمة ري حديثة، ووحدة تقطير نسوية تعاونية تُجسد التمكين الفعلي للمرأة القروية وتُعزز دورها المركزي في تثمين المنتوج المحلي.

وأكد  السيد البواري في تصريح للصحافة  على  أهمية المعرض الدولي للورد العطري، الذي يشكل واجهة تعكس الجهود المبذولة للنهوض بسلسلة الورد العطري على مستوى الجهة.

 وأشاد في هذا السياق على الخصوص بالنساء اللواتي يساهمن من خلال إتقانهن لتقنيات الجني والتقطير، في الحفاظ على هذه الثقافة وتعزيزها.

كما تميزت فعاليات المعرض بتوقيع اتفاقيات استراتيجية همّت مجالات الفلاحة التضامنية وحماية الواحات من التغيرات المناخية، إلى جانب توزيع جوائز التميز على الضيعات ووحدات التثمين، احتفاءً بالفلاحين والمبادرات الناجحة التي تصون التراث وتُحدث الفرق في الميدان.

ويحظى البُعد العلمي للمبادرة بحيز وازن، من خلال ندوات وورشات علمية وموائد مستديرة ناقشت قضايا الابتكار، وتدبير ندرة المياه، وآفاق تطوير سلسلة الورد العطري في سياق التحولات المناخية، مما يعكس إرادة الوزارة في جعل قلعة مكونة فضاءً للتفكير الجماعي وتبادل الخبرات، ومرجعًا وطنياً ودولياً في ما يخص التنمية المندمجة القائمة على تثمين المنتوجات المجالية.

إن الدورة الستين لهذا المعرض ليست فقط محطة للاحتفال بمنتوج فريد يميز الجهة ككل ، بل هي تأكيد على أن التنمية الحقيقية تبدأ من عمق المجالات الهشة، حين تحظى بالعناية اللازمة، وتُستثمر فيها الطاقات البشرية والمؤهلات الطبيعية، في إطار رؤية شاملة تستحضر الإنسان والمجال والهوية.

وهكذا، تواصل قلعة مكونة رسالتها النبيلة كجسر بين الماضي والمستقبل، بين عبق الورد وأمل الغد، وتُثبت أن التنمية المستدامة ليست شعارًا عابرًا، بل مسارًا حيًا ينبض في الحقول، وفي تعاونية نسوية، وفي كل حبة عطر تُقطر على أرض مغربية أصيلة.

# عادل العربي

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.