من أجل قطيع وطني مستدام… رؤية ملكية وإلتزام حكومي بحجم التحديات
في ظل التحديات المناخية القاسية وتوالي سنوات الجفاف التي أرخت بظلالها على القطاع الفلاحي، يبرز من جديد حرص المملكة المغربية، بقيادة جلالة الملك محمد السادس نصره الله، على تثبيت دعائم الأمن الغذائي الوطني، عبر رؤية استراتيجية متكاملة لإعادة هيكلة وتشكيل القطيع الوطني، وضمان استدامته في وجه الأزمات.
الرسالة كانت واضحة ومباشرة: حماية الثروة الحيوانية ليست مجرد خيار، بل ضرورة وطنية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالأمن الغذائي، واستقرار أسعار اللحوم، ومعيشة مئات الآلاف من المربين والعائلات القروية. ومن هذا المنطلق، جاء تأكيد وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، السيد أحمد البواري، على أهمية البرنامج الوطني لإعادة تشكيل القطيع، والذي ستبلغ كلفته الإجمالية حوالي 6.2 ملايير درهم على مدى سنتين، ما بين إعادة الهيكلة والدعم المباشر للمربين.
إن البرنامج الجديد، الذي يُعد ترجمة عملية للتوجيهات الملكية السامية، يحمل بين طياته مقاربة متكاملة ترتكز على خمسة محاور استراتيجية: من إعادة جدولة ديون المربين، إلى دعم أسعار الأعلاف، ثم ترقيم إناث الماشية، وإطلاق حملات وقائية وعلاجية، وانتهاءً ببرامج تحسين السلالات. إنها مقاربة تؤسس لانتقال نوعي في تدبير هذا القطاع الحيوي، بعقلانية ومسؤولية، بعيدة عن الحلول الترقيعية.
البيانات المقلقة التي تم عرضها بخصوص تصاعد ظاهرة ذبح إناث الأغنام، والانعكاسات السلبية لذلك على استدامة القطيع، تضعنا جميعًا، حكومة ومهنيين ومجتمعًا مدنيًا، أمام مسؤولية مشتركة لإنقاذ الثروة الحيوانية. فقد أصبح من الواضح أن استمرار هذا النزيف يهدد التوازنات الإنتاجية ويقوض الجهود التنموية المبذولة منذ عقود.
ومن هنا، تأتي أهمية التوقف عند قرار جلالة الملك بعدم إقامة شعيرة الذبح لهذا العام، كخطوة إنسانية وتدبيرية حكيمة، أتاحت للمربين فسحة لترميم قطيعهم، وعكست حسًا رفيعًا بالمسؤولية في تدبير مشترك بين الديني والاقتصادي والبيئي.
نحن أمام برنامج وطني كبير، ليس فقط بحجم الغلاف المالي المرصود له، ولكن بما يعكسه من رؤية متبصرة وطموح استراتيجي يعلي من شأن الفلاحة الوطنية ويدفع نحو تثمين الرأسمال الحيواني المغربي. فلا تنمية بدون استدامة، ولا استدامة بدون سياسات دامجة، عادلة، ومبنية على معايير علمية وواقعية.
وإن كانت الأرقام التي تم الإعلان عنها تُبشر بخير قادم، فإن الرهان الحقيقي سيظل مرتبطًا بنجاعة التنفيذ، وصرامة التتبع، وتكامل الأدوار بين كل الفاعلين، من الحكومة إلى الجماعات المحلية، مرورًا بالمهنيين والتنظيمات البيمهنية.
لقد حان الوقت لتُترجم النوايا الحسنة إلى ممارسات فعالة على أرض الواقع، تُعيد الثقة لكسابي ومربي الماشية، وتؤسس لقطاع حيواني قادر على مجابهة تقلبات الطبيعة وسوق اللحوم على حد سواء.
فلتكن هذه اللحظة، لحظة تعبئة وطنية شاملة، تليق بحجم الرهانات وتستحق شرف الرؤية الملكية الثاقبة.
#عادل العربي