مجلة المحيط الفلاحي

في وجه التغيرات المناخية… بشراكة مع “Andzoa” البحث الزراعي و”إيكاردا” في سباق مع الزمن لحماية الواحات..

لم تعد الواحات، بجمالها البيئي وعمقها الحضاري والإنساني، تلك الجنان الهادئة التي كانت تختزن في ظلال ذاكرة الماء والعيش المتناغم مع إيقاع الطبيعة. بل تحولت اليوم، تحت ضغط التغيرات المناخية المتسارعة، إلى فضاءات هشة، تئن تحت وطأة التصحر، وندرة المياه، وتدهور الغطاء النباتي، وتراجع الإنتاجية الزراعية. هذه التحولات المقلقة باتت تهدد بشكل مباشر ليس فقط النظم الإيكولوجية، بل أيضاً سبل العيش، والأمن الغذائي، والروابط الاجتماعية والثقافية لملايين السكان في المناطق الواحية بالصحراء .

وهنا يطفو على السطح سؤال مصيري: هل لا زال بإمكاننا إنقاذ الواحات قبل أن تبتلعها الرمال، أم أننا نقف عاجزين أمام نهاية أحد آخر الحصون البيئية والإنسانية في مواجهة أزمة المناخ…؟

في هذا السياق الحرج، وفي ظل الحاجة الملحّة لإيجاد حلول مبتكرة، شكلت الدورة الثانية للمؤتمر الدولي للواحات ونخيل التمر، التي احتضنتها مدينة ورزازات الأسبوع المنصرم تحت شعار “من أجل واحات صامدة في وجه التغيرات المناخية”، منصة علمية وحوارية استثنائية لاستكشاف سبل تعزيز صمود المنظومات الواحية. وقد كانت مداخلة الدكتور رشيد مصدق، الباحث بالمعهد الوطني للبحث الزراعي والمركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة (إيكاردا)، من أبرز اللحظات العلمية في المؤتمر، حيث قدّم رؤية استراتيجية متكاملة لإعادة تصور الزراعة في البيئات الجافة وشبه الجافة.

في عرضه العلمي، ركز الدكتور مصدق على مبادرة الزراعة المتكاملة في المناطق الصحراوية (IDFI) التي تقودها “إيكاردا”، باعتبارها تحوّلاً نوعياً في مقاربة الزراعة الصحراوية، لاسيما في مناطق CWANA (شمال إفريقيا، غرب آسيا، وآسيا الوسطى)، مشيراً إلى أن الأمن الغذائي في هذه المناطق لم يعد ترفاً علمياً، بل بات ضرورة وجودية تفرضها التحولات المناخية والبيئية المتسارعة.

وأكد الدكتور مصدق أن المبادرة تعتمد على نهج ذكي مناخياً، يدمج بين الابتكار التقني والمعرفة المحلية، لتقديم حلول زراعية مرنة وملائمة للواقع البيئي والاجتماعي للواحات المغربية. ومن أبرز هذه الحلول، أشار إلى إدماج محاصيل مقاومة للجفاف والحرارة مثل النخيل، التين الشوكي، والبقوليات، إلى جانب تحسين إنتاجية المحاصيل التقليدية من خلال استخدام أصناف محسّنة، وتقنيات زراعية متطورة.

وفي ما يخص الموارد المائية، شدد السيد مصدق على أن التحول الزراعي الحقيقي في المناطق الجافة لن يتحقق دون ثورة في طرق تدبير المياه، وذلك عبر اعتماد تقنيات الري بالتنقيط منخفض الضغط بالطاقة الشمسية، وإعادة استخدام المياه العادمة المعالجة، وتقنيات حصاد مياه الغلاف الجوي.

كما لفت الانتباه إلى أهمية التربة كعنصر حيوي للاستدامة الزراعية، مشدداً على ضرورة اعتماد الزراعة الحافظة، واستعمال الكمبوست والمخصبات الطبيعية، لتحسين خصوبة الأرض ورفع قدرتها على تخزين الكربون، ما يعزز الجهود الوطنية في مكافحة التغير المناخي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.