مجلة المحيط الفلاحي

من المختبر إلى الحقل: مرشوش تحتضن ربيع الابتكار في مواجهة الجفاف…

في زمن تتعاظم فيه التحديات المناخية وتتسارع فيه وتيرة التغيرات البيئية، يصبح العلم شريكا أساسيا في معركة البقاء وتحقيق الأمن الغذائي، وتتجلى قيمته الحقيقية حينما يتحول من مختبرات البحث إلى الحقول، فيمد الفلاح بالأدوات والمعارف والحلول التي تجعله قادرا على الصمود، وعلى الإنتاج المستدام في وجه الجفاف وندرة المياه. ومن هذا المنطلق، يبرز التعاون المثمر بين المعهد الوطني للبحث الزراعي والمركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة (إيكاردا) كنموذج راقٍ للتكامل العلمي والتنموي، والذي أخذ يوم الاربعاء ، في محطة مرشوش بإقليم الخميسات، شكلا ميدانيا متجذرا في صلب انشغالات الفلاح المغربي وهمومه اليومية.

فما تم تقديمه خلال هذا اليوم الإخباري، المنظم تحت شعار بالغ الدلالة “التعاون بين المعهد الوطني للبحث الزراعي والمركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة في خدمة فلاحة مرنة وفعالة بيئيا”، لم يكن مجرد عرض تقني أو تظاهرة علمية، بل كان لحظة تأمل في ثمار سنوات من البحث والتجريب، ولبنة إضافية في بناء فلاحة مغربية أكثر صلابة أمام تغير المناخ، وأكثر وعيا بضرورة الاقتصاد في الموارد المائية، وأكثر انفتاحا على الابتكار الزراعي.

لقد أثمرت هذه الشراكة الاستراتيجية، التي تمتد جذورها منذ أكثر من عقد من الزمن، تطوير أكثر من 72 صنفا من الحبوب والبقوليات  المصممة خصيصا للتأقلم مع التغيرات المناخية وظروف الإجهاد المائي  ، جرى تصميمها بعناية فائقة لتلائم ظروف الإجهاد المائي ولتواجه تأثيرات الاحتباس الحراري، وذلك ضمن رؤية مندمجة تزاوج بين تحسين الإنتاجية وحماية الموارد الطبيعية. ولا يقل إشعاع هذه الجهود أهمية على صعيد إدخال وتوسيع استخدام تقنيات زراعية مبتكرة، من قبيل البذر المباشر والري التكميلي، اللذَين أثبتا نجاعتهما في الرفع من المردودية الزراعية وتخفيض كلفة الإنتاج، في سياق بات فيه كل قطرة ماء وكل بذرة محسوبة بدقة.

ويكمن جوهر هذه التجربة الفريدة في حرصها على الربط العضوي بين نتائج البحث العلمي واحتياجات الفلاح، إذ يتحول الباحث إلى شريك فعلي في الميدان، ويصبح المختبر منصة لخدمة التنمية القروية، لا مجرد فضاء للتنظير. وهنا يسطع دور محطة مرشوش التي تُعدّ مختبرا طبيعيا بامتياز، ومركز إشعاع للمعرفة الزراعية التطبيقية، لما توفره من بيئة ملائمة لتجريب الأصناف، ومواكبة تطورها، وتقييم مردوديتها في ظروف الزراعة البعلية.

إن حضور وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، السيد أحمد البواري، وكبار الفاعلين المؤسساتيين والمهنين، هو إشارة قوية لحرص الدولة المغربية، تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، على جعل البحث الزراعي دعامة أساسية لاستراتيجية “الجيل الأخضر 2020-2030″، ومصدرا للتجديد في السياسات العمومية المرتبطة بالأمن الغذائي والتنمية المستدامة.

إننا أمام تجربة يحتذى بها، تؤكد أن الابتكار العلمي حين يجد الحاضنة المؤسستي والدعم العلمي والتقني، يصبح قاطرة للتغيير الإيجابي. ومثل هذا النموذج المغربي في التعاون بين البحث الوطني والمؤسسات العلمية الدولية، خصوصا إيكاردا، لا يضع المغرب فقط في مصاف الدول الساعية إلى بناء فلاحة ذكية ومقاومة، بل يفتح الباب أمام تعميم هذه التجربة في باقي بلدان المنطقة، وخاصة في إفريقيا، حيث تتقاطع التحديات وتتقاسم الشعوب نفس الرهانات.

من مرشوش، ومن رحم الأرض القاحلة، تُكتب اليوم صفحة جديدة في تاريخ الزراعة المغربية، عنوانها: العلم من أجل الصمود، والابتكار في خدمة الإنسان والبيئة.

#عادل العربي

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.