الرعي الجائر: الخطر الصامت الذي يقوض استدامة التربة رغم كل البرامج
في الوقت الذي تنخرط فيه الدولة، بكل جدية ومسؤولية، في تفعيل حزمة من البرامج الفلاحية الطموحة، مثل البرنامج الوطني للزرع المباشر، وبرنامج خصوبة التربة، ومخطط الكربون الزراعي، تبقى معركة الاستدامة رهينةً بعائق مزمن ومستعصٍ اسمه الرعي الجائر. هذا الخطر الصامت لا يرحم، لا ينتظر، ولا يحترم الحدود الإيكولوجية، إذ يلتهم الأخضر واليابس، ويعرض الطبقات العليا للتربة للدك والتفكك، فيضرب في العمق كل ما يُبنى من آمال ومشاريع لتحسين مردودية الأرض واستعادة توازنها البيولوجي.
إن الحديث عن تثمين التربة وتحقيق العدالة المناخية لا يمكن أن يكتمل في ظل واقع يهيمن عليه غياب تنظيم الرعي وتجاهل مقتضيات القانون 113-13 المتعلق بالرعي وتنظيم الترحال. فكيف لبرامج الزرع المباشر أن تحقق أهدافها إن كانت التربة تُستنزف تحت أقدام القطعان دون ضوابط؟ وكيف لجهود تثبيت الكربون العضوي أن تصمد أمام مسلسل يومي من التعرية والتفكك والتدهور؟
لقد آن الأوان للانتقال من منطق التساهل إلى منطق الحزم، عبر التطبيق الصارم والشامل لبنود القانون 113-13، وتفعيل الآليات الزجرية والتنظيمية التي تحفظ التوازن بين متطلبات الرعي ومقتضيات حماية التربة والنظم الإيكولوجية. كما أصبح من الضروري تعزيز الوعي الجماعي، وتوفير بدائل مستدامة للرعاة، وتشجيع مقاربات تشاركية تجمع بين الحماية والإنتاج، وتربط المواطن بالأرض برابط المسؤولية لا الاستغلال الجائر.
فلا زرعٌ مباشرٌ سينجح، ولا تربةٌ ستخصب، ولا كربونٌ سيثبت، مادام الرعي الجائر ينسف قواعد اللعبة من أساسها. الاستدامة الحقيقية تبدأ من احترام الأرض، واحترام الأرض يبدأ من احترام القانون.
#عادل العربي