مجلة المحيط الفلاحي

تدبير بقايا المحاصيل في نظام الزرع المباشر: خيار استراتيجي لتحقيق الزراعة المستدامة

في ظل التحديات المتزايدة التي تواجه المنظومة الزراعية، من تغيّر مناخي وتدهور خصوبة التربة ونُدرة الموارد المائية، يبرز نظام الزرع المباشر كخيار علمي وعملي يفتح آفاقًا جديدة أمام المزارعين والباحثين لتحقيق إنتاجية مستدامة تراعي التوازن البيئي والاقتصادي. ومن بين أهم العناصر المفصلية في هذا النظام، نجد تدبير بقايا المحاصيل، الذي لم يعد مجرد إجراء تقني ثانوي، بل تحوّل إلى ركيزة جوهرية ضمن مقاربة الزراعة الحافظة.

إن الإبقاء على بقايا المحاصيل فوق سطح التربة، وعدم حرثها أو إحراقها، يمثل خطوة استراتيجية لتحسين بنية التربة، والحد من تعريتها، وتحفيز نشاط الأحياء الدقيقة التي تساهم في إعادة تدوير المواد العضوية. كما يساهم هذا التدبير في تنظيم رطوبة التربة، وخفض درجات الحرارة على السطح، وتحقيق نوع من التوازن الطبيعي مع الأعشاب الضارة والآفات، مما يساهم في تقليل الاعتماد على المبيدات الكيميائية.

إن هذه المقاربة الزراعية المتقدمة تُعدّ في صميم الجهود الوطنية التي تقوم بها اللجنة الوطنية لتتبع برنامج الزرع المباشر الهادفة إلى الانتقال نحو زراعة أكثر مرونة وتكيفًا، ولا سيما في المناطق الهشة والمهددة بانجراف التربة والتصحر. ولا يخفى أن نجاح هذا التوجه يتطلب تعبئة شاملة، تشمل التأطير التقني، وتوفير المعدات المناسبة، ونقل المعارف الزراعية الحديثة إلى الفلاحين، لضمان التحول التدريجي نحو هذا النمط الإنتاجي الواعد.

في كل بقايا محصول تكمن فرصة لخصوبة جديدة، وفي كل سُنبلة تُترك على سطح الأرض، تنبع دعوة للتفكير في الزراعة كمنظومة متكاملة تتناغم مع البيئة بدل أن تستنزفها. إن تدبير بقايا المحاصيل في نظام الزرع المباشر ليس فقط ممارسة زراعية رشيدة، بل هو تجسيد عملي لرؤية علمية تضع الاستدامة في صُلب السياسات الفلاحية المستقبلية.

#العربي عادل

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.