مجلة المحيط الفلاحي

خطوة جريئة من وزارة الفلاحة …نحو تدبير متوازن للثروة الحيوانية

 في خضم النقاش الدائر حول سبل تدبير الثروة الحيوانية الوطنية، صدر يوم الأربعاء 24 شتنبر 2025 قرار وزاري جديد صادر  عن وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، السيد أحمد البواري، يقضي بتنظيم عملية ذبح إناث الأغنام والماعز. قرار قد يبدو للوهلة الأولى تقنيًا وإجرائيًا، لكنه في العمق يحمل رسائل استراتيجية تمس صميم الأمن الغذائي للبلاد، وتعكس رؤية بعيدة المدى لإدارة التوازن بين متطلبات السوق وحاجيات الاستدامة.

لقد نص القرار على حصر منع الذبح فقط في الإناث التي توجد في حالة حمل ظاهر، بينما يسمح بذبح باقي الإناث غير الحوامل. وبهذا، تم تجاوز مقتضيات القرار السابق المؤرخ في 19 مارس 2025، الذي كان يمنع ذبح إناث الأغنام والماعز بشكل مطلق. وبين المنع الكلي والسماح المطلق، جاء هذا التعديل كخيار وسطي يزاوج بين الحرص على استمرار دورة التوالد الطبيعية للقطعان وحماية مستقبلها، وبين الاستجابة الواقعية لمتطلبات السوق الوطنية من اللحوم الحمراء.

هذا التحول في التدبير لم يأت اعتباطًا، بل تأسس على معطيات دقيقة أفرزها الإحصاء الوطني الأخير للماشية (الأغنام والماعز والأبقار)، الذي أنجز بين 26 يونيو و11 غشت 2025، وكشف عن وضعية القطيع الوطني وحجم التحديات التي تواجه المربين. كما تم اتخاذ القرار بعد التشاور مع المهنيين المعنيين بسلاسل الإنتاج الحيواني، ما يجعله ثمرة حوار وتشارك، وليس مجرد إجراء فوقي يُفرض على الميدان.

إن استدامة الثروة الحيوانية ليست مجرد شعار، بل رهان وجودي لبلد مثل المغرب، حيث يشكل قطاع اللحوم الحمراء ركيزة أساسية في الاقتصاد الفلاحي والأمن الغذائي. فالتفريط في الإناث الحوامل يعني استنزاف القدرة الإنجابية للقطيع، والتأثير سلبًا على العرض المستقبلي، بينما التشدد في المنع الكلي يضر بالمهنيين ويخلق اختلالات في السوق. ومن هنا تتجلى الحكمة في القرار الجديد، الذي يوازن بين الحماية والمرونة، ويضع نصب عينيه مصلحة القطيع كما مصلحة المستهلك.

القرار إذن ليس مجرد نص تنظيمي، بل هو جزء من سياسة استباقية تنسجم مع روح “الجيل الأخضر”، التي تراهن على عقلنة تدبير الموارد الحيوانية وتثمينها، بما يعزز صمود الفلاحة الوطنية أمام التحديات المتزايدة، من تقلبات مناخية وطلب متنامٍ على الغذاء. وهو في الوقت ذاته دعوة ضمنية للمربين إلى الانخراط بوعي ومسؤولية في تنزيل هذه الإجراءات، حتى لا تبقى حبرًا على ورق، بل تتحول إلى ممارسة يومية تضمن الاستمرارية والازدهار.

إن المغرب، وهو يخطو بخطى ثابتة نحو تعزيز مكانته كبلد رائد في مجال الأمن الغذائي بإفريقيا، يعي جيدًا أن القرارات الصائبة تبدأ من الميدان، وأن المحافظة على كل نعجة ومعزة في حالة حمل هي في الواقع استثمار في المستقبل، وضمانة للحفاظ على  الأمن الغذائي.

#عادل العربي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.