موجة التنمر غير المبرر ضد الكسابة هذه الأيام: إلى متى هذا الجحود؟
مع اقتراب كل موسم عيد، يعود النقاش العقيم نفسه ليطفو على السطح، حيث تنطلق موجة من التنمر غير المبرر ضد الكسابة، وكأنهم المسؤولون عن كل اختلالات السوق، أو كأنهم يستفيدون من أرباح خيالية على حساب جيوب المواطنين. والحقيقة التي يتعامى عنها البعض هي أن الكسابة هذه السنة، كما في السنوات الأخيرة، يعيشون أوضاعًا اقتصادية صعبة بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج، لا سيما العلف الذي وصل إلى مستويات قياسية بفعل توالي سنوات الجفاف، ناهيك عن تكاليف الرعاية البيطرية والتنقل والمصاريف الأخرى. ومع ذلك، يجد هؤلاء الرجال الذين أفنوا أعمارهم في تربية الماشية أنفسهم في مرمى نيران النقد غير المنصف، وكأنهم السبب في غلاء الأسعار.
لكن الغريب في الأمر أن المواطن الذي يشتكي من ارتفاع الأسعار ويتهم الشناقة بالمضاربة، لا يبذل أي مجهود لشراء الأضحية مباشرة من عند الكساب في الحظيرة. بل تجده ينتظر حتى اليوم الأخير، متربصًا بانخفاض الأسعار في الأسواق، ساعيًا وراء “الصفقة المثالية”، ثم يطلق العنان لاتهاماته ضد كل من يقف بينه وبين “الخروف الرخيص”. وهنا يحق لنا أن نتساءل: هل من يتفنن في البحث عن أرخص الأضاحي في اللحظات الأخيرة ليس “شناقًا” بدوره؟ ألا يسعى، مثل المضاربين، إلى استغلال ظروف السوق لصالحه…؟
إن العلاقة بين الكسابة والمستهلكين لا يجب أن تكون مبنية على الاتهامات المتبادلة والتنمر المجاني، بل على تفهم الواقع الاقتصادي واحترام الجهود المبذولة في تربية القطيع. فعندما يشتري المواطن منتوجًا زراعياً أو حيوانياً، فهو لا يشتري فقط “سلعة”، بل يساهم في ديمومة قطاع يعيل آلاف الأسر، ويدعم نشاطًا اقتصادياً حيوياً مرتبطًا بالأمن الغذائي للبلاد.
إن الحل لا يكمن في تحميل الكسابة وحدهم تبعات ارتفاع الأسعار، بل في تبني سياسات عقلانية تدعم الفلاحين الصغار، وتضمن استقرار سوق الأعلاف، وتوفر فضاءات تسويق مباشرة تقلل من تدخل الوسطاء. أما أن نظل ندور في حلقة مفرغة من الاتهامات الموسمية، فهذا لن يحل المشكلة، بل سيزيد من إحباط الكسابة، وربما يدفع البعض إلى التخلي عن هذا النشاط، وهو ما ستكون له عواقب وخيمة على الجميع.
فلنكف إذن عن شيطنة الفلاح البسيط، ولنواجه الحقائق كما هي: الأزمة لا يتحملها طرف واحد، والحل يبدأ حين ندرك أننا جميعًا شركاء في هذه المنظومة، بعيوبها وأزماتها، وبإمكاننا تطويرها إن تحلينا بالوعي والمسؤولية بدل البحث عن شماعات جاهزة نعلق عليها مشاكلنا.
وفي النهاية، يبقى الكسابة جزءًا لا يتجزأ من النسيج الاقتصادي والاجتماعي لبلادنا، يكابدون الصعاب ويواجهون تحديات لا حصر لها، في ظل ظروف مناخية واقتصادية قاسية. فإنصافهم ليس خيارًا، بل واجبٌ يمليه العدل والمنطق. ونسأل الله أن يرحمنا بأمطار الخير والبركة، فتنتعش المراعي، وتنخفض تكاليف التربية، ويعود الرخاء لهذا القطاع الحيوي الذي يعاني في صمت.
#المحيط الفلاحي : عادل العربي